الـفـرع الأول : الـدفـوع المتعلقـة بالشـروط الشكليـة فـي الشيـك .
تتلخـص هـذه الدفـوع فـي الدفـع بصوريـة التاريـخ فـي الشيـك والدفـع بخلـو الشيـك مـن بيـان مكـان سحبـه أو مـن اسـم المستفيـد أو مـن مبلـغ الشيـك وكـذا الدفـع بالتوقيـع علـى بيـاض والدفـع بانتفـاء مسؤوليـة الساحـب لكـون عـدم الصـرف مـرده اختـلاف نمـوذج التوقيـع و أخيـرا الدفـع بعـدم تحريـر الشيـك علـى نمـوذج مطبـوع.
فقـد يتـم تحريـر الشيـك فـي تاريـخ معيـن ثـم يوضـع تاريـخ لاحـق للاستحقـاق يختلـف عنـه ثـم يدفـع الساحـب بصوريـة تاريـخ الاستحقـاق وقـد ذهبـت محكمـة النقـض المصريـة إلـى أن مثـل هـذا الشيـك يعتبـر صـادرا فـي
تاريـخ واحـد ويكـون لحاملـه الحـق فـي استيفـاء قيمتـه وقـد أيـد الفقـه هـذا القضـاء وذهـب إلـى جعـل هـذا الدفـع لا يؤثـر فـي قيـام الجريمـة لا لشـيء إلا لحمايـة الشيـك باعتبـاره أداة وفـاء تقـوم مقـام النقـود فـي المعامـلات وسـد البـاب لمـن يريـد الطعـن فيـه وينفـي عنـه صفتـه هـذه وسـد بـاب الغـش والتلاعـب الـذي مـن شأنـه إضعـاف الثقـة فـي التعامـل بالشيـك كـأداة وفـاء كمـا سبـق ذكـره أعـلاه.
وقـد يثـور التسـاؤل عـن أثـر صوريـة التاريـخ علـى المسؤوليـة الجنائيـة للساحـب فقـد قضـت محكمـة النقـض المصريـة بـأن الشيـك متـى كـان مستوفيـا لجميـع الشـروط الشكليـة التـي يتطلـب القانـون توافرهـا فهـو يعـد شيكـا بمفهـوم القانـون التجـاري و لا يجـدي فـي المتهـم أن يثبـت أن تحريـره إنمـا كـان فـي تاريـخ سابـق عـن التاريـخ الثابـت فـي الشيـك.لـذا فقـد استقـرت محكمـة النقـض المصريـة علـى أن الصوريـة فـي تاريـخ تحريـر الشيـك و أن الشيـك مؤخـر التاريـخ هـــو
شيـك صحيـح و متـى كـان بـدون رصيـد فهـو يستوجـب حينئـذ المسؤوليـة الجنائيـة .
كمـا قـد يدفـع المتهـم بخلـو الشيـك مـن مكـان سحبـه الأمـر الـذي قـد يفعلـه الساحـب متعمـدا أو دون قصـد فهـل مـن شـأن تخلـف هـذا البيـان التأثيـر فـي قيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد؟.
للإجابـة عـن هـذا السـؤال ينبغـي الإشـارة إلـى أن محكمـة النقـض المصريـة استقـرت علـى أن مكـان السحـب ليـس مـن البيانـات الجوهريـة التـي يرتـب القانـون علـى تخلفهـا فقـدان الشيـك لصفتـه فـي القانـون التجـاري .
هـذا الحكـم الـذي كرسـه المشـرع الجزائـري بموجـب المـادة 473 مـن القانـون التجـاري التـي جـاء فيهـا :
* إذا خـلا السنـد مـن أحـد البيانـات المذكـورة فـي المـادة السابقـة، فـلا يعتبـر شيكـا إلا فـي الأحـوال المنصـوص عليهـا فـي الفقـرات التاليـة :
- إذا خـلا الشيـك مـن بيـان مكـان الوفـاء فـإن المكـان المبيـن بجانـب اسـم المسحـوب عليـه يعتبـر مكـان الوفـاء، فـإذا ذكـرت عـدة أمكنـة بجانـب اسـم المسحـوب عليـه فيكـون الشيـك واجـب الدفـع فـي المكـان المذكـور أولا.
- إذا لـم تذكـر هـذه البيانـات أو غيرهـا يكـون الشيـك واجـب الدفـع فـي المكـان الـذي بـه المحـل الأصلـي للمسحـوب عليـه.
- إن الشيـك الـذي لـم يذكـر فيـه مكـان إنشائـه يعتبـر إنشـاؤه قـد تـم فـي المكـان المبيـن بجانـب اسـم الساحـب*.
وقـد يثيـر المتهـم دفعـا بخلـو الشيـك مـن اسـم المستفيـد ونتسـاءل حينئـذ عمـا إذا كـان مـن الممكـن تقديـم شيـك خاليـا مـن هـذا البيـان إذ يحـرر الساحـب الشيـك تاركـا بيـان اسـم المستفيـد علـى بيـاض ليتسنـى لهـذا الأخيـر فيمـا بعـد وضـع اسمـه أو اسـم أي شخـص آخـر يرغـب فـي أن يمنـح لـه الشيـك لاستيفـاء المبلـغ المـدون بـه ، ولكـن مثـل هـذا التحريـر لا يؤثـر فـي الشيـك باعتبـــاره
سنـد تجـاري شيئـا وإنمـا يبقـى محافظـا علـى صفتـه هـذه بـل ويبقـى أهـلا للحمايـة الجنائيـة المقـررة بمـوجب المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات ولا يمكـن حينئـذ للساحـب التـذرع بعـدم تحريـره لاسـم المستفيـد لنفـي المسؤوليـة الجنائيـة عنـه.
كمـا قـد يدفـع المتهـم كذلـك بخلـو الشيـك مـن المبلـغ كـان يصـرح بكونـه قـد حـرر الشيـك دون تحديـد المبلـغ تاركـا للمستفيـد القيـام بذلـك ، هـذا الأخيـر الـذي قـد يضـع مبلغـا مجـاوزا لقيمـة التعامـل الـذي يربطـه بالساحـب ومـع ذلـك فلا يمكـن للمتهـم بأي حـال مـن الأحـوال بـأن يدفـع بأنـه قـام بالتوقيـع علـى شيـك خالـي مـن المبلـغ ذلـك أنـه عندمـا فعـل فقـد فـوض للمستفيـد أمـر وضـع المبلـغ الـذي يريـده.
وفـي الحيـاة العمليـة أمثلـة كثيـرة لقضايـا تـم الدفـع فيهـا مـن قبـل المتهـم بتوقيعـه علـى الشيـك موضـوع المتابعـة علـى بيـاض علـى سبيـل الضمـان لا الوفـاء لكن اجتهـاد محكمـة النقـض المصريـة استقـر علـى كـون توقيـع الساحـب
علـى بيـاض لا يؤثـر علـى سلامـة الشيـك متـى كـان مستوفيـا بياناتـه قبـل تقديمـه للصـرف وهـذا هـو الـرأي الـذي استقـرت عليـه المحكمـة العليـا حيـث ذهبـت إلـى اعتبـار إصـدار شيـك علـى بيـاض علـى سبيـل الضمـان لا يحـول دون متابعـة الساحـب ومعاقبتـه وفقـا لمـا يقضـي بـه القانـون ومـن أمثلـة ذلـك القـرار الصـادر بتاريـخ 20/03/1990 تحـت رقـم 67418 عـن غرفـة الجنـح والمخالفـات العـدد الأول صفحـة 261 الـذي جـاء فيـه :
* إن اعتـراف المتهميـن الأول بإصـدار شيـك علـى بيـاض والثانـي بقبولـه لجعلـه كضمـان لا يحـول دون متابعتهمـا * .
وكـذا القـرار الصـادر بتاريـخ 14/12/1998 ، ملـف رقـم 193602 والـذي جـاء فيـه :
* أن تسليـم شيكـات للمستفيـد موقعـة علـى بيـاض لا تعفـى صاحبهـا مـن المسؤوليـة الجزائيـة فـي حالـة مـا إذا قدمـت للمخالصـة وتبيـن بأنهـا بـدون رصيـد كمـا فـي قضيـة الحـال* - قـرار غيـر منشـور- .
وقـد يكـون سبـب عـدم دفـع مبلـغ الشيـك هـو عـدم مطابقـة الإمضـاء المـدون بـه مـع التوقيـع النموذجـي المـودع لـدى المسحـوب عليـه فيدفـع المتهـم حينئـذ بانتفـاء مسؤوليتـه لهـذا السبـب ، ويتعيـن علـى للمحكمـة إذا ما حـدث ذلـك أن تتفحـص فيمـا إذا كـان الساحـب قـد تعمـد تغييـر التوقيـع للإضـرار بالمستفيـد مـن خـلال منعـه مـن صـرف الشيـك ويدخـل الفعـل بذلـك فـي نطـاق تطبيـق المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات ويكـون محـلا للمساءلـة الجنائيـة لأنـه يكـون بعملـه هـذا قـد أعطـى شيكـا ليـس لـه مقابـل وفـاء قائـم وقابـل للصـرف ، أمـا إذا أثبـت حسـن نيتـه و دحـض بذلـك سـوء النيـة المفترضـة فـي حقـه كـأن يكـون عـدم المطابقـة فـي الإمضـاء لإهمـال منـه أو خطـأ مـن قبلـه فـإن الركـن المعنـوي لجنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد ينتفـي وتنتفـي معـه المسؤوليـة
الجنائيـة للمتهـم وإن كـان ذلـك لا يمنـع مـن قيـام المسؤوليـة المدنيـة فـي ذمتـه لتعويـض المستفيـد وفقـا للقواعـد العامـة المقـررة فـي القانـون المدنـي.
وقـد يثيـر المتهـم دفعـا بعـدم تحريـر الشيـك علـى النمـوذج المطبـوع ، هـذا الأخيـر الـذي لا يعتبـر مـن البيانـات الجوهريـة اللازمـة لقيـام الشيـك كسنـد تجـاري بمفهـوم المـادة 472 مـن القانـون التجـاري كمـا أن القانـون لا يرتـب علـى تخلفهـا فقـدان الشيـك لصفتـه هـذه عمـلا بنـص المـادة 473 مـن القانـون التجـاري.
وقد ذهبـت محكمـة النقـض المصريـة فـي أحـد قراراتهـا إلـى أنـه : * لا يشتـرط أن يكـون الشيـك محـررا علـى نمـوذج مطبـوع ومأخـوذ مـن دفتـر الشيكـات الخاصـة بالساحـب* ، وهـذا هـو الـرأي الراجـح الـذي ذهـب إليـه غالـب الفقـه .
هـذه هـي جملـة الدفـوع التـي تنصـب علـى الشـروط الشكليـة للشيـك لكنهـا لا تؤثـر علـى صفتـه هـذه كمـا أنـه لا تؤثـر علـى قيـام الجريمـة الـفـرع الثـانـي : الـدفـوع المتنوعـة الأخـرى التـي لا تؤثـر فـي قيـام
الجريمـة .
تتمثـل أغلـب هـذه الدفـوع فـي الدفـع بانتفـاء القصـد الجنائـي والدفـع بعلـم المستفيـد بعـدم وجـود الرصيـد والدفـع بالمصالحـة والدفـع بانعـدام أصـل الشيـك والدفـع بكـون الشيـك قـد حـرر لسبـب غيـر مشـروع وكـذا الدفـع بعـدم تقديـم الشيـك فـي الآجـال المقـررة قانونـا.
فالقصـد الجنائـي المتمثـل فـي سـوء النيـة الجانـي يقتضـي أن تنصـرف إرادة الساحـب إلـى تحقيـق وقائـع الجريمـة مـع علمـه بأركانهـا المختلفـة كمـا يستوجبهـا القانـون ولقـد استقـرت المحكمـة العليـا علـى أنـه لا عبـرة بالأسبـاب التـي حملـت المتهـم علـى إتيـان فعلـه فهـي مـن قبيـل البواعـث التـي ليـس مـن شأنهـا نفـي القصـد الجنائـي ، فقـد يحـدث وأن يدفـع الساحـب بكونـه يجهـل عـدم وجـود الرصيـد الكافـي والقابـل للصـرف وقـت تحريـره للشيـك لينفـي عنـه الركـن المعنـوي للجريمـة ويبقـى دفعـه هـذا عديـم الأثـر إذ أن مـن الأجـدر بـه أن يكـون
عالمـا بحركـة رصيـده تكريسـا للثقـة التـي ينبغـي أن تصبـغ التعامـل بالشيـك وعليـه فتكـون الجريمـة ثابتـة فـي حقــه و مـا يؤكـد ذلـك مـا استقـرت عليـه المحكمـة العليـا فـي اجتهادهـا بكـون سـوء النيـة فـي جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد مفترضـا لا حاجـة إلـى إثباتـه ومـن ذلـك جـاء فـي أحـد اجتهاداتهـا :
* إن الركـن المعنـوي للجريمـة المنصـوص والمعاقـب عليهـا بنـص المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات هـو مفتـرض إذ يمكـن استخـلاص سـوء النيـة والعلـم بمجـرد إصـدار شيـك لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصـرف لا عبـرة بعـد ذلـك بضآلـة أو تفاهـة النقـص الملحـوظ فـي الرصيـد أو بسبـب آخـر يعـد مـن قبيـل البواعـث التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام المسؤوليـة الجنائيـة ويعتـد بـه فقـط عنـد توقيـع العقوبـة*.
غرفـة الجنـح والمخالفـات ملتف رقـم : )219390 قـرار بتاريـخ 26/07/1999 المجلـة القضائيـة 1999 العـدد 2 صفحـة 74 ( .
كمـا قـد يثيـر المتهـم دفعـا بعلـم المستفيـد بعـدم وجـود الرصيـد فـي حالـة مـا إذا قـدم لـه الشيـك كضمـان إلـى حيـن حلـول أجـل ثـم يتقـدم المستفيـد لسحـب الشيـك بنيـة الإضـرار بالساحـب ، فهـل مـن شـأن هـذا الدفـع التأثيـر فـي قيـام الجريمـة ؟
لقـد أجابـت محكمـة النقـض المصريـة علـى هـذا التسـاؤل بالنفـي حيـث قـررت أن علـم المستفيـد بعـدم وجـود الرصيـد لا تأثيـر لـه علـى قيـام الجريمـة معللـة رأيهـا بـــأن: * لا عبـرة فـي قيـام جريمـة إعطـاء شيـك بـدون رصيـد قائـم وقابـل للصـرف لسبـب تحريـر الشيـك والغـرض مـن تحريـره ولا لعلـم المستفيـد وقـت استـلام الشيـك بعـدم وجـود رصيـد للساحـب فـي البنـك المسحـوب لـه * .
وبالرجـوع إلـى أحكـام القانـون التجـاري فـي هـذا الشـأن وكـذا قانـون العقوبـات فإنـه لا تأثيـر لهـذا الدفـع علـى قيـام الجريمـة ذلـك أن الشيـك هـو أداة وفـاء تقـوم مقـام النقـود فـي المعامـلات ولا يمكـن بـأي حـال مـن الأحـوال تحويـل غرضهـا
هـذا بجعلهـا أداة ائتمـان وضمـان وعليـه فمتـى سلـم الساحـب شيكـا مـع علمـه بعـدم وجـود الرصيـد و أن كـان المستفيـد يعلـم بذلـك فقـد جعـل أركـان الجريمـة قائمـة فـي حقـه وكـان محـلا للمساءلـة الجنائيـة.
ومـن أمثلـة الدفـوع التـي يثيرهـا المتهـم لنفـي المسؤوليـة الجنائيـة فـي حقـه والتـي كثـر الدفـع بهـا أمـام المحاكـم هـي إبـرام المصالحـة بيـن الطرفيـن مـن خـلال تسديـد الساحـب المبلـغ للمستفيـد ، لكـن يتعيـن القـول هنـا أن هـذا الدفـع ليـس مـن شأنـه التأثيـر علـى قيـام الجريمـة فـي شـيء ذلـك أن أي إجـراء يبرمـه المتهـم بعـد اكتمـال أركـان الجريمـة لا .
يمكـن أن يمحـو أثـر هـذه الأخيـرة التـي تبقـى قائمـة ويبقـى المتهـم تبعـا لذلـك محـلا للمساءلـة الجنائيـة كمـا هـو مستقـر عليـه فـي اجتهـاد القضـاء المحكمـة العليـا الـذي جـاء فيـه:
* إن تسديـد قيمـة الشيـك قبـل المتابعـة أو بعدهـا لا يؤثـر فـي شـيء فـي قيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد التـي تلتئـم عناصرهـا بتسليـم شيـك للمستفيـد لا يقابلـه رصيـد غيـر كـاف* ) غرفـة الجنـح والمخالفـات ملـف رقـم 192908 قـرار 24/01/2000 –غيـر منشـور- ( ، وكـذا القـرار الصـادر بتاريـخ 14/04/1997 والـذي جـاء فـي إحـدى حيثياتـه :
* إن تسديـد قيمـة الشيـك للمستفيـد لاحقـا علـى إصـداره وهـو بـدون رصيـد لا يؤثـر فـي قيـام الجنحـة التـي تبقـى قائمـة بمجـرد أن يسلـم الجانـي للشيـك إلـى المستفيـد مـع علمـه بأنـه بـدون رصيـد بصـرف النظـر عـن تسويـة وضعيتـه بعـد ذلـك * )غرفـة الجنـح والمخالفـات : القسـم الثالـث ملـف رقـم 144244 غيـر منشـور ( .
أمـا إذا دفـع المتهـم بانعـدام أصـل الشيـك بالملـف فإنـه يتعيـن أن نجيـب عليـه بـأن أصـل الشيـك غيـر لازم لتحريـك ومتابعـة الدعـوى العموميـة وتكفـي الصـور التـي تؤخـذ عنـه لذلـك وقـد استقـرت المحكمـة العليـا علـى أن عـدم وجـود أصـل الشيـك بالملـف عنـد المحاكمـة لا ينفـي بتاتـا وقـوع الجريمـة
المنصـوص عليهـا فـي المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات وممـا جـاء فـي أحـد قراراتهـا:
* حيـث أن مـا ينعـى هنـا علـى القـرار المطعـون فيـه هـو وجيـه لأنـه مـن المستقـر فقهـا وقضـاء أن عـدم وجـود أصـل الشيـك بالملـف عنـد المحاكمـة لا ينفـي بتاتـا وقـوع الجريمـة المنصـوص عليهـا فـي المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات ، وذلـك متـى قـام الدليـل علـى سبـق وجـوده مستوفيـا شرائطـه القانونيـة كمـا هـو الشـأن فـي قضيـة الحـال إذ أنـه مـن الثابـت أن المتهـم المطعـون ضـده )ش.م( حـرر صكـا يحمـل رقـم 0109430 بتاريـخ17/03/1997 وبقيمـة 1376000.00 دينـار جزائـري وسلمـه باعترافـه إلـى الطـرف المدنـي مؤسسـة *كادمـاس *لصرفـه ولكـن دون جـدوى لانعـدام الرصيـد حسـب الإشعـار بعـدم الدفـع الصـادر عـن البنـك المسحـوب عليـه* .
وكثيـرا مـا يقـدم المتهـم المتابـع بشـأن جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد دفعـا يتعلـق بالتـزام الـذي حـرر الشيـك لأجلـه كـأن يكـون الالتـزام باطـلا لكونـه مبنـي علـى سبـب غيـر مشـروع كالديـن الناتـج عـن القمـار أو أن يكـون مقابـل رشـوة أو لتسويـة معاملـة معيبـة لنقـص أهليـة أحـد أطرافهـا و مهمـا كـان سبـب الالتـزام الـوارد بالشيـك باطـلا فـإن ذلـك لا يؤثـر علـى قيـام الجريمـة و المسؤوليـة الجنائيـة فـي حـق المتهـم فمتـى كـان المحـرر قـد استوفـى فـي الظاهـر كافـة الشـروط و البيانـات التـي يستوجبهـا القانـون استحـق الحمايـة الجنائيـة المقـررة قانونـا تدعيمـا للثقـة فـي التعامـل بـه كـأداة وفـاء إذا مـا حـدث و أن أصـدر مـن دون هنـاك رصيـد قائـم و قابـل للصـرف وقـت تحريـره .
و قـد قضـت محكمـة النقـض المصريـة فـي ذلـك أنـه إذا كـان الشيـك قـد استوفـى شروطـه و بياناتـه كـأداة وفـاء فـإن مـا يدفـع بـه المتهـم حـول سبـب تحريـر الشيـك كـأن يكـون غيـر مشـروع لا أثـر لـه علـى طبيعتـه ذلـك أن المسؤوليـة الجنائيـة هنـا لا تتأثـر بالسبـب أو الباعـث الـذي أعطـى الشيـك مـن أجلـه ،
و نفـس الحكـم تـم تطبيقـه علـى مستـوى محاكمنـا لكـون المشـرع الجزائـري فـي قانـون العقوبـات صريـح مـن حيـث الأركـان الواجـب توافرهـا لقيـام الجريمـة و لـم يضـف إليهـا كـون الالتـزام الـذي حـرر الشيـك لأجلـه مشروعـا أو غيـر مشـروع.
كمـا أن مـن بيـن الدفـوع التـي لاحظنـا إثارتهـا بكثـرة أمـام المحاكـم هـو عـدم تقديـم المستفيـد للشيـك للدفـع فـي الآجـال المقـررة قانونـا بموجـب المـادة 501 مـن القانـون التجـاري ، و فـي هـذا يمكننـا القـول أنـه ليـس مـن قبيـل الدفـوع المؤثـرة فـي قيـام الجريمـة بـل أن الجريمـة تبقـى قائمـة علـى الرغـم مـن ذلـك مـا دام الشيـك قـد استوفـى الشكـل الـذي يتطلبـه القانـون لكـي يصـدق عليـه وصـف أداة وفـاء تقـوم مقـام النقـود فـي المعامـلات و هـذا مـا استقـرت عليـه المحكمـة العليـا فـي اجتهادهـا حيـث جـاء فـي أحـد قراراتهـا:
* إن تقديـم الشيـك خـارج ميعـاد الدفـع المحـدد فـي نـص المـادة 501 مـن القانـون التجـاري لا ينفـي قيـام جنحـة إصـدار الشيـك بـدون رصيـد ذلـك أنـه مـا أن يصـدر الساحـب الشيـك تنتقـل ملكيـة الرصيـد لذمـة المستفيـد ، و الساحـب لا يتمتـع بـأي حـق علـى الرصيـد المقابـل للمبلـغ المسحـوب بواسطـة الشيـك * ) جنائـي 11 جـوان 1981 مجموعـة قـرارات غ.ج صفحـة 127، جنائـي 20/12/1982 صفحـة 243( ، و هـذا مـا ذهبـت إليـه محكمـة النقـض الفـرنسيـة التـي أكـدت علـى أن الساحـب ملـزم بالحفـاظ علـى الرصيـد المـدون بالشيـك إلـى حيـن انقضـاء أجـل تقـادم العقوبـة و أن لـم يقـدم الشيـك للدفـع فـي آجـال الدفـع المبينـة بالمـادة 29 مـن المرسـوم القانـون الصـادر فـي 30/10/1935.
إن الاستعمـالات السيئـة للشيـك زعـزعت الثقـة التـي كـان ينبغـي أن يتسـم بهـا التعامـل بـه ممـا جعـل المشـرع يتدخـل مـن خـلال وضـع حمايـة جزائيـة للشيـك بموجـب أحكـام القانـون التجـاري وقانـون العقوبـات وعلـى الرغـم مـن ذلـك فقــد لـوحظ علـى مستـوى محاكمنـا التطبيـق الخاطـئ للنصـوص والناجـم عـن سـوء فهمهـا لاسيمـا فيمـا يتعلـق بتطبيـق أحكـام وقـف التنفيـذ علـى الغرامـة التـي استوجـب القانـون صراحـة أن تكـون نافـذة ولا يمكـن بـأي حـال مـن الأحـوال أن تكـون موقوفـة النفـاذ بالإضافـة إلـى استبـدال عقوبـة الحبـس بالغرامـة رغـم كـون العقوبتيـن واجبتـي التطبيـق معـا ، الأمر الـذي أدى إلى تدخـل المحكمـة العليـا مـن خـلال وضـع اجتهـاد قضـائي مستقـر مـن شأنـه تفسيـر النصـوص التفسيـر الصحيـح والمقصـود مـن المشـرع و ذلك بتكريسها لجملـة مـن المبـادئ ارتأينـا أن نوردهـا فـي خاتمـة بحثنـا هـذا وذلـك فيمـا يلـي:
* مـن المستقـر عليـه قضاء أن الركـن المعنوي لجريـمة إصدار شـيك بـدون رصيـد لا يتـمثل فـي قـصد الأذى وإلـحاق الـضرر ولـكن يستخـلص مـن انعـدام الرصيـد أوعـدم كفايتـه وأن تسليـم الشيـك كضمـان يعـد صـورة مـن صـور جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد.
* مـن الثابـت قانونـا أن جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد تعـد قائـمة بمـجرد تسليـم شيـك لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصـرف بغـض النظـر عـن الأسبـاب والبـواعث التـي قـد يتمسـك بهـا الساحـب ، لأن سـوء النيـة مفتـرض فـي حقـه وبالتـالي فـإن الحكـم بالبـراءة علـى أسـاس حسـن النيـة هـو قضـاء خاطـئ ومخالـف للقانـون.
* إن سـوء النيـة مفتـرض بمجـرد إصـدار شيـك لا يقابلـه رصيـد وأن المتابعـة تبنـى علـى أسـاس الإشعـار بعـدم الدفـع الصـادر مـن البنـك المسحـوب عليـه إذ يتعيـن وجـوبا علـى الساحـب متابعـة حركـات رصيـده قبـل وبعـد إصـدار الشيـك ولا دخـل لأيـة اعتبـارات أخـرى لإبعـاد سـوء النيـة المفتـرض وأن القـرار لمـا قضـى بالبـراءة لانتفـاء سـوء النيـة يكـون قـد عـرض نفسـه للنقـض والبطـلان.
* إن الحكـم بالبـراءة مـن جريـمة إصـدار شيـك بـدون رصيـد بحجـة أن سـوء النيـة غيـر ثابتـة فـي حـق المـتهم عنـد إصـداره الشيـك هـو تعليـل خاطـئ لأن الأصـل فـي جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد أنهـا تتحقـق متـى أعطـى الساحـب شيكـا لا يقابلـه رصيـد ولا عبـرة لذلـك بالأسبـاب التـي دعـت إلـى مصـدر الصـك بعـدم وجـود مقابـل وفـاء لـه فـي تاريـخ إصـداره وهـو علـم مفتـرض فـي حقـه .
ومتـى كـان كذلـك يتعيـن نقـض القـرار المطعـون فيـه .
* مـن المقـرر قانونـا انـه: » يعاقـب بالحبـس وبغرامـة لا تقـل عـن قيمـة الشيـك أو عـن النقـص فـي الرصيـد ..... « .
المستفـاد مـن القـرار المطعـون فيـه أن قضـاة المجلـس قضـوا ببـراءة المتهـم بإصـدار شيـك بـدون رصيـد علـى أسـاس أن النقـص فـي الرصيـد لا يتجـاوز مبلـغ 368.68 دينـار جزائـري تـم تسديـده بمجـرد الإشعـار بـه . إن هـذا التعليـل لا يستجيـب لأحكـام القانـون ذلـك أن الركـن المعنـوي للجريمـة المنصـوص والمعاقـب عليهـا بنـص المـادة 374 مـن قانـون العقـوبات هـو مفتـرض إذ يمكـن استخـلاص سـوء النيـة والعـلم بمجـرد إصـدار شيـك لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصـرف ولا عبـرة بعـد ذلـك بضآلـة أو تفاهـة النقـص الملحـوظ فـي الرصيـد أو بسبـب آخـر يعـد مـن قبيـل البواعـث الـتي لا تأثيـر لهـا بقيـام المسؤوليـة الجنائيـة ويعتـد بـه فقـط عنـد توقيـع العقـوبة .