تعرضت السيدة فتيحة لحالة إغماء بعد أن قررت تسليم أبنائها إلى مراكز الطفولة المسعفة، ووضع حد لحياتها عن طريق محاولتها طعن نفسها بسكين حسرة على معاناتها، التي لا يمكن وصفها، بعد أن قضى أبناؤها ثلاثة أيام، خلال الأسبوع المنصرم، دون تذوق طعم الأكل.
استفاقت فتيحة عبادلي، البالغة من العمر 44 سنة، من غيبوبتها على صراخ ابنتها، وهي تستجدي جارتها، التي تدخلت وأسعفت والدتها وقامت بإطعام الأبناء، الذين تقوس ظهرهم من شدة الجوع، بعدما لم يجدوا ما يأكلونه منذ ثلاثة أيام، وهي حالة، تقول هذه الجارة، طالما ظل عليها هؤلاء الصغار لأيام وليال كثيرة.
أرشدنا إلى هذه العائلة أعضاء جمعية إدماج وترقية المعاقين بصريا، حيث وجدنا هذه السيدة، التي تقطن رفقة أبنائها بحي 500 سكن ببوحديد ببلدية عنابة، في حالة يرثى لها، بعد أن أصبحت عاجزة صحيا وماديا عن تقديم أي شيء لصغارها.
تذكر فتيحة التي لم تستطع أن تتمالك نفسها، أن زوجها تخلى عنها قبل تسع سنوات، لها ثلاثة أبناء إسلام الدين، 14 سنة، بلال، 12 سنة وملاك، 9 سنوات، كانت تشتغل عاملة نظافة بعقد محدود المدة بمستشفى أبوبكر الرازي لمدة ثماني سنوات. وأضافت أنه قبل سنتين أصيبت بورم خبيث على مستوى الرأس، حيث توقفت عن العمل وقامت بإجراء عملية، غير أن المرض لازمها، وأصبحت بين الحين والآخر تدخل في غيبوبة لمدة طويلة ثم تستفيق، ناهيك عن انتفاخ أطرافها، بحيث لم تعد تستطيع الوقوف من سريرها.
وانعكست هذه الوضعية المؤلمة للأم والحرمان المتواصل، الذي تعاني منه العائلة، على حال أطفالها، وتحصيلهم الدراسي، رغم حبهم وتعلقهم بالمدرسة وأمام عدم وجود من يرعى الصغار ويتولى شؤونهم، تقول الأم فتيحة ''إن أبناءها فضلوا اللجوء إلى الشارع الذي احتضنهم بسلبياته المتعددة، حيث لا يعودون إلى البيت إلى غاية الساعة التاسعة ونصف ليلا، وبمجرد عودتهم، وعدم توفر ما يأكلونه، يدخلون في حالة هستيرية ويقومون بضرب بعضهم ضربا مرعبا، في صورة انتقام من الوضع الصعب الذي يعيشون فيه، وأمام أم مريضة وعاجزة عن تقديم شيء لصغارها''.
وأشارت أنها تبقى وأطفالها لأيام دون أكل، إلى غاية قيام أحد الجيران بطرق الباب وتقديم ما يستطيع التصدق به، مؤكدة أنه بعد أن يئست من شفائها، وخوفا على صغارها من الضياع أكثر فكرت في تسليمهم إلى مراكز الطفولة المسعفة، غير أن هؤلاء رفضوا التخلي عن أمهم، والبقاء إلى جانبها.
وبحسرة كبيرة تذكر فتيحة والدموع تنهمر ''لا يوجد لدينا مدخول نقتات منه، حيث نعيش على الصدقات، التي يقدمها الجيران للعائلة، حتى هؤلاء ملوا من إعطاء أبنائي الأكل صباحا مساء وفي كل يوم، خاصة أن أغلبهم محدودي الدخل''.
وفي هذا السياق أضافت أنها تجمع الأموال، التي يتصدق بها عليها المحسنون لتسديد فاتورة الكهرباء والغاز، كما أطلعتنا على الإعذار الذي أرسله إليها ديوان الترقية والتسيير العقاري لأجل تسديد الكراء قبل إحالة ملفها على العدالة، بعد أن تجاوزت مستحقات الإيجار عشرة آلاف دينار، وكذا فاتورة الماء، التي تراكمت ديونها لتتجاوز 16 ألف دينار.
وختمت حديثها معنا بمناشدتها المسؤولين المحليين مساعدتها لمواصلة علاجها، وتمكينها من الوقوف إلى جانب صغارها.