الرأي الفقهي في المواد المتعلقة بعقد المقاولة والتزام المقاول :
مادة 617/
الرأي الفقهي:
يعرض النص لضمان المهندس المعماري والمقاول للتهدم أو العيوب التي تصيب ما أقاماه من مبان أو منشآت ثابتة أخرى. ونظراً لخطورة تهدم المباني أو تصدعها بالنسبة إلى رب العمل وبالنسبة إلى الغير، شدد المشرع من هذا الضمان، حتى يدفع المهندس والمقاول إلى بذل كل عناية ممكنة فيما يشيدانه من المنشآت. فالضمان هنا ضمان خاص مقصور على دائرة معينة، وهذه الدائرة تتحدد بتحديد طرفي الضمان وسببه. وعلى هذا يتوجب بحث أربعة مواضيع:
1 ـ طرفا الضمان. 2 ـ سبب الضمان. 3 ـ جزاء الضمان. 4 ـ انتفاء الضمان. 5- مدة الضمان .
1 ـ طرفا الضمان:
طرفا الضمان هما طرفا عقد المقاولة محلها منشآت ثابتة:
حتى يمكن أن يتحقق الضمان، يجب أن يكون هناك عقد مقاولة محلها منشآت ثابتة. فيجب إذن أن تقع المقاولة على منشآت ثابتة، وعلى رأسها المباني من أي نوع كان. ولا يشترط أن يكون المبنى قد شيد بالطوب أو بالحجارة، بل يجوز أن يكون مشيداً بالخشب أو بالحصير (كباين الاستحمام). والمهم أن يكون البناء مستقراً ثابتاً في مكانه لا يمكن نقله دون هدمه. ومع ذلك، فالمصعد وهو يرتفع ويهبط يعتبر في حكم الثابت في مكانه، لأنه لا يتعدى دائرة محدودة في تحركه، ومن ثم يعد من المنشآت الثابتة. ولكن العقار بالتخصيص لا يعتبر من المنشآت الثابتة، إذ هو في طبيعته منقول غير ثابت فيكون ضمانه وفقاً للقواعد العامة.
ولا تدخل أعمال البياض والدهان، ولا أعمال الزخرفة، لأن هذه الأعمال ليس من شأنها أن تهدد سلامة البناء أو متانته (استئناف مختلط 30 مايو 1901 المحاماة 13 ص347). وتدخل الترميمات اللازمة للأجزاء الرئيسية للمباني، وهي الأجزاء التي تعتمد عليها سلامة المباني ومتانتها.
ويجب أن يكون العقد الواقع على المنشآت الثابتة هو عقد مقاولة. فإذا كان العقد عقد مقاولة، ترتب الضمان، ويستوي في ذلك أن يكون الأجر مقدراً جزافاً أو مقدراً بسعر الوحدة، أو أن يكون الأجر مقدراً بحسب أهمية العمل، أو كان أجراً ثابتاً يعطى للمهندس أو المقاول طول مدة العمل.
2 ـ المدين بالضمان:
والذي يترتب في ذمته الضمان هو المهندس المعماري والمقاول في عقد المقاولة. ولا يشترط في المهندس المعماري أن يكون حاملاً مؤهلاً فنياً في هندسة المعمار، فما دام الشخص يقوم بمهمة المهندس المعماري فهو ملتزم بالضمان. وإذا تعدد المهندسون المعماريون، كان كل منهم ملتزماً بالضمان في حدود العمل الذي قام به.
والمقاول هو الذي يعهد إليه في إقامة المنشآت الثابتة. ويستوي أن تكون المواد التي أقام بها المنشآت قد أحضرها من عنده أو قدمها له رب العمل. ففي الحالتين يلتزم بالضمان. وإذا تعدد المقاولون، التزم كل منهم في حدود الأعمال التي قام بها كل منهم وضمن هذه الحدود.
3 ـ الدائن بالضمان:
والذي يطالب بالضمان في عقد المقاولة هو رب العمل، فيرجع على المهندس المعماري أو على المقاول، أو عليها معاً متضامنين. وإذا مات رب العمل حل محله في المطالبة بالضمان ورثته. كذلك يجوز لدائنيه أن يرفعوا الدعوى غير المباشرة باسمه للمطالبة بالضمان. كما يجوز أن يكون دائناً بالضمان الخلف الخاص، تبعاً لنظرية الاستخلاف في الحقوق والالتزامات. ويجوز للمشتري أن يرجع على بائعه بضمان العيب، وفي هذه الحالة يكون للبائع، وهو رب العمل، أن يرجع بدوره على المهندس أو المقاول بالضمان، وله أن يدخلهما ضامنين في دعوى العيب التي يرفعها على المشتري.
ولكن رب العمل لا يكون دائناً بالضمان إذا كان مقاولاً أصلياً تعاقد مع مقاول من الباطن. كذلك لا يلتزم المقاول بالضمان نحو رب العمل، إذ لا توجد علاقة عقدية بينهما.
4 ـ سبب الضمان:
يرجع سبب الضمان إلى البناء. فالضمان يشمل ما يحدث في المنشآت من تهدم كلي أو جزئي، ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها. كما يشمل ما يوجد في المنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته. وليس من الضروري أن يتهدم البناء كله أو بعضه، بل يكفي أن يظهر فيه عيب يترتب عليه الضمان، وهذا العيب إما أن يكون في المواد التي استعملت في البناء أو أن يكون العيب في الصنعة نفسها.
وسواء كان العيب في المواد، أو في أصول الصناعة، أو في الأرض، فإنه يجب أن يتوفر فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون العيب من الخطورة بحيث يهدد سلامة البناء أو متانته.
الشرط الثاني: أن يكون العيب خفياً.
ومتى تحقق سبب الضمان الذي يرجع إلى البناء، فإن المقاول الذي قام بالبناء يكون ملتزماً بالضمان، وكذلك المهندس المعماري الذي عهد إليه بالإشراف على التنفيذ وتوجيه العمل، وهما متضامنين في الالتزام بالضمان. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص106 وما بعد).
5- مدة الضمان:
سواء رجع سبب الضمان إلى البناء أو إلى التصميم، فإنه يجب أن يقوم في مدة معينة إذا انقضت ولم يكن سبب الضمان قائماً لم يكن هناك محل للرجوع بالضمان.
وواضح أن سبب الضمان الراجع إلى التصميم يكون قائماً قبل التسليم بل قبل التنفيذ، ويستمر قائماً بعد التنفيذ والتسليم. ولذلك يكون هذا السبب موجباً للضمان دون حاجة إلى تحديد وقت معين يقوم فيه فهو قائم منذ البداية.
أما سبب الضمان الراجع إلى التنفيذ، فقد يوجد قبل التسليم ويكون خفياً، فيتسلم رب العمل الشيء دون أن يفطن للعيب. ومن ثم يكون العيب موجباً للضمان دون حاجة هنا إلى تحديد وقت معين يقوم فيه، فهو قائم قبل التسليم. والسبب الذي يحتاج إلى وقت معين يقوم فيه، هو السبب الذي يرجع إلى التنفيذ إذا طرأ بعد التسليم. ونظراً إلى خطورة المباني، ووجوب امتداد الضمان إلى ما بعد التسليم، فقد حدد المشرع مدة لذلك هي عشر سنوات تبدأ من وقت التسليم. ولا عبرة للعيب الذي يظهر بعد ذلك، حتى ولو كان العيب يرجع إلى مخالفة عمدية للشروط والمواصفات المتفق عليها، حتى ولو تهدم البناء بعد انقضاء عشر سنوات فأصاب الغير بضرر ورجع الغير على رب العمل، فإن هذا الأخير لا رجوع له على المقاول أو المهندس بعد انقضاء مدة الضمان.
وإذا وجد العيب خلال مدة العشر سنوات، تحقق الضمان، حتى لو لم ينكشف إلا بعد هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يبدأ سريان التقادم، ومدته ثلاث سنوات، إلا من وقت انكشاف العيب لا من وقت وجوده.
ويبدأ سريان مدة العشرة سنوات من وقت تسليم العمل. وإذا أبى رب العمل، فمن وقت إعذاره. وإذا كان التسليم على عدة دفعات، فمن وقت أن تتم الدفعة الأخيرة إذا كانت المنشآت لا يمكن تجزئتها لارتباط بعضها ببعض من ناحية الصلابة والمتانة. أما إذا كانت المنشآت يمكن تجزئتها بحيث لا ارتباط بين جزء وآخر، فمن وقت تسلم كل جزء بالنسبة إلى هذا الجزء. ويمكن إثبات التسلم وتاريخه بمحضر التسليم إذا وجد، أو بتسوية الحساب بين رب العمل والمقاول إذا وجد مستند يثبت ذلك، أو أية طريقة من طرق الإثبات، وتدخل البينة والقرائن لأن التسليم واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق. وعبء إثبات التسلم يقع على عاتق رب العمل.
ومدة عشر سنوات ليست بمدة تقادم، ومن ثم لا تكون عرضة لأي وقف، ولو وجد مانع يتعذر معه على رب العمل أن يطالب بحقه، كذلك لا تكون عرضة لأن تنقطع.
ويجوز الاتفاق على إطالة المدة، لأن الممنوع هو الإعفاء أو الحد من الضمان، لا التشديد فيه. ولكن لا يجوز الاتفاق على أن تكون المدة أقل من عشر سنوات.
وإذا حرر محضر التسليم بعد التسلم الفعلي، فالعبرة بتاريخ التسلم لا بتاريخ المحضر. وكذلك الأمر فيما لو سبق التسلم الفعلي تسوية الحساب مع المقاول، فالعبرة بتاريخ التسلم الفعلي. أما إذا كان التسلم قد سبق إنجاز العمل، فالعبرة بتاريخ إنجاز العمل لا بتاريخ التسلم الفعلي.(الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص121 فقرة 2 / 67).
/مادة 618/
الرأي الفقهي:
سبب الضمان يرجع إلى التصميم:
ترى من النص أن سبب الضمان قد يرجع إلى عيب في التصميم. فإذا وضعه المقاول أو المهندس أو شخص آخر غيرهما، كان واضع التصميم هو المسؤول عن عيوب التصميم، ويجب عليه الضمان.
أما إذا كان رب العمل هو واضع التصميم، وكان معيباً، كان هو الملوم، ولا يرجع على أحد.
وعيوب التصميم إما أن ترجع إلى خطأ في أصول الهندسة المعمارية، وإما أن ترجع عيوب التصميم إلى مخالفة قوانين البناء ولوائحه.
وسواء رجع عيب التصميم إلى أصول الفن المعماري، أو إلى مخالفة القوانين واللوائح، فإن واضع التصميم يجب عليه الضمان، سواء أشرف على التنفيذ أو لم يشرف. غير أنه إذا أشرف على التنفيذ يكون مسؤولاً عن عيوب التصميم وعن عيوب التنفيذ في وقت معاً، ويكون متضامناً مع المقاول في حدود عيوب التنفيذ ومستقلاً وحده في الضمان عن عيوب التصميم، ولا يكون المقاول مسؤولاً معه. أما إذا لم يشرف على التنفيذ واقتصر على وضع التصميم، فإنه يكون ملتزماً بالضمان عن عيوب التصميم وحده، ولا يضمن عيوب التنفيذ إذا لم يشرف عليه، ولا يكون المقاول الذي قام بالتنفيذ ملتزماً بضمان عيوب التصميم إذا كان التصميم ليس من وضعه. ولكن إذا كان العيب في التصميم من الوضوح بحيث لا يخفى على المقاول، لا سيما إذا كان العيب يتعلق بمخالفته قوانين البناء ولوائحه، وأقدم المقاول على تنفيذ التصميم بالرغم من العيب الذي فيه، فإنه يكون هو أيضاً ملتزماً بالضمان، ويكون في التزامه هذا متضامناً مع المهندس.
ويلاحظ أن مخالفة القوانين واللوائح قد لا ترجع إلى التصميم ذاته، بل إلى أعمال التنفيذ، وفي هذه الحالة يكون المقاول الذي قام بأعمال التنفيذ هو الذي يجب عليه الضمان، ويكون المهندس متضامناً معه إذا هو أشرف على التنفيذ.
وفي تقسيم المسؤولية بين المهندس والمقاول، يراعى ما ينسب إلى كل منهما من خطأ. فإن كان الخطأ هو خطأ المقاول وحده، كما إذا ارتكب خطأ في التنفيذ، وكان المهندس متضامناً معه لأنه هو الذي أشرف على اللتنفيذ، فإن المهندس يرجع على المقاول بكل التعويض الذي حكم به عليه. وإذا كان الخطأ هو خطأ المهندس، كما إذا كان الضرر يرجع إلى عيب في الأرض، وكان المهندس دون المقاول هو الذي يستطيع كشف هذا العيب، رجع المقاول على المهندس بكل التعويض الذي حكم به عليه. أما إذا كان الضرر يرجع إلى عيب في المواد التي وردها المقاول، وكان المهندس مشرفاً على التنفيذ، فمن حكم عليه بالتعويض كاملاً يرجع على الآخر بنسبة جسامة خطأه. وفي هذه الحالة يكون خطأ المقاول عادة أكثر جسامة من خطأ المهندس، وقد يتعادل الخطأن فيتحمل كل منهما نصف التعويض.
وإذا رجع أي منهما على الآخر، وليست بينهما علاقة عقدية، رجع بموجب أحكام المسؤولية التقصيرية. فإذا ادعى أحدهما أن الضرر قد نشأ بخطأ الآخر، وجب عليه أن يثبت هذا الخطأ. ومن يرجع منهما على الآخر يحل محل رب العمل في حقوقه فيرجع أيضاً بدعوى الحلول.
هذا وإذا علم المقاول بعيب في التصميم، فله أن يوقف العمل، ولا يعود إليه إلا إذا أصلح العيب. وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً في هذا المعنى، فكانت المادة 890 من هذا المشروع تنص على ما يأتي:
1 ـ يجوز لمقاول البناء أن يوقف العمل إذا قرر الخبراء أن تنفيذ التصميم الموضوع لا يمكن أن يتم دون خطر على سلامة البناء.
2 ـ ولكن يجب عليه أن يعود إلى إتمام البناء متى بين الخبراء ما يجب إدخاله على التصميم من تعديلات لتوقي الخطر. (مشروع تنقيح القانون المدني ـ مذكرة ايضاحية ـ 3 العقود المسماة ص46 وقد سقط النص من مجموعة الأعمال التحضيرية). (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص117 وما بعد فقرة 66).
/مادة 619/
الرأي الفقهي:
إن ضمان المقاول والمهندس هو ضمان خاص، فتعتبر أحكامه من النظام العام. ويبرر ذلك أن رب العمل لا يكون عادة ذا خبرة فنية في أعمال البناء، ولذلك حماه القانون هذه الحماية الخاصة. لذلك جعل المشرع أحكام الضمان هذه من النظام العام لا يجوز الاتفاق على محوها أو التخفيف منها.
ويخلص من النص أنه لا يجوز الاتفاق مقدماً على الإعفاء من الضمان أو الحد منه. فلا يجوز أن يشترط المقاول أو المهندس في عقد المقاولة أنه بمجرد تسلم رب العمل البناء تبرأ ذمة المقاول أو المهندس من الضمان عن جميع العيوب الظاهرة والخفية على السواء. فالعيوب الخفية لا يجوز الإعفاء من ضمانها. وكما لا يجوز الإعفاء من الضمان، كذلك لا يجوز الاتفاق على الحد منه. فلا يجوز مثلاً اشتراط أن يكون الضمان لمدة خمس سنوات من وقت تسلم العمل بدلاً من عشر سنوات، أو أن يقتصر الضمان على عيوب معينة، أو ألا يشمل الضمان عيوباً معينة. فكل هذه الاتفاقات باطلة لمخالفتها للنظام العام. ويرجع رب العمل بالضمان كاملاً عن جميع العيوب كل مدة العشر سنوات، بالرغم من أي اتفاق مخالف.
ولكن لا يوجد ما يمنع من تشديد الضمان، إذ أن الضمان إنما قصد به حماية رب العمل، فليس هناك ما يحول دون أن يقوي رب العملل هذه الحماية باتفاق خاص. فيجوزاشتراط أن يبقى الضمان عن العيوب مدة تزيد على عشر سنوات، بحسب جسامة المنشآت ودقة العمل فيها. كما يجوز الاتفاق على أن الضمان يشمل العيوب الظاهرة لمدة عشر سنوات أو أقل أو أكثر، بل يجوز الاتفاق على ضمان المقاول للقوة القاهرة.
جواز نزول رب العمل عن الضمان بعد تحقق سببه:
بعد تحقق سبب الضمان، إذا تبين لرب العمل خطورة العيوب التي انكشفت، فهو حر بعد ذلك، وقد ثبت حقه في الضمان، أن ينزل عن هذا الحق كله أو بعضه نزولاً صريحاً أو ضمنياً.
فإذا انكشف عيب في البناء يتحقق به الضمان، جاز لرب العمل أن ينزل صراحة عن حقه في الرجوع على المقاول أو المهندس بسبب هذا العيب.
وقد يحمل سكوت رب العمل عن الرجوع بالضمان مدة طويلة بعد انكشاف العيب نزولاً ضمنياً عن حقه، ولو كانت هذه المدة أقلمن ثلاث سنوات، وهي المدة التي تتقادم فيها دعوى الضمان، متى اقترن هذا السكوت بملابسات قاطعة في أن رب العملل تعمد بسكوته النزول عن الضمان. ومن هذه الملابسات أن يدفع رب العمل للمقاول أو للمهندس أجره دون تحفظ، أو أن يقوم بإصلاح العيب دون تحفظ ودون إثبات الحاةل ودون أن يدفعه إلى ذلك ضرورة للاستعجال.
وقد يتهدم جزء من البناء ويظهر في باقيه عيب، فيرجع رب العمل بالضمان فيما يتعلق بالتهدم، ولا يرجع الضمان فيما يتعلق بالعيب، فهنا يكون رب العمل قد نزل عن الضمان نزولاً جزئياً في التهدم دون العيب. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص140).
/مادة 620/
الرأي الفقهي:
يتلخص من هذا النص أن رب العمل يستطيع أن يرفع دعوى الضمان في خلال ثلاث سنوات يبدأ سريانها من وقت انكشاف العيب أو حصول التهدم. ويثبت وقت انكشاف العيب أو حصول التهدم بجميع طرق الإثبات، لأن المطلوب هو إثبات واقعة مادية. ولا يكفي لإثبات العلم أن يسكن رب العمل اللمبنى، فقد لا يظهر العيب إلا بعد السكنى بمدة طويلة، فإذا انكشف العيب أو حص التهدم بعد خمس سنوات فعلاً من وقت تسمه البناء، كانت المدة أمامه ثلاث سنوات أخرى لرفع دعوى الضمان، فيكون قد انقضى ثلاث عشرة سنة من وقت تسلم البناء وهذه هي أقصى مدة يمكن أن تنقضي من وقت التسلم إلى وقت رفع الدعوى.
ولما كانت هذه المدة هي مدة تقادم، فإنه يرد عليها أسباب الانقطاع. أما وقف التقادم فلا يرد عليها، لأن المدة لا تزيد على خمس سنوات. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص129).
/مادة 621/
الرأي الفقهي:
يلتزم رب العمل بتسلم العمل بعد إنجازه. والتسلم هنا ليس هو مجرد التسلم، بل هو تقبل العمل والموافقة عليه بعد فحصه.
وهذا المعنى الزائد تقتضيه طبيعة المقاولة، إذ أنها تقع على عمل يجب عند إنجازه أن يستوثق رب العمل من أنه موافق للشروط المتفق عليها، أو لأصول الصنعة، ويكون ذلك بفحصه فالموافقة عليه وهذا هو التقبل.
ولكن ليس ما يمنع من أن يسبق التقبل التسليم أو يليه. فيتسلم صاحب العمل العمل دون أن يتقبله، فيرجىء فحصه إلى فرصة يتمكن فيها من وسائل الفحص. ومن ثم يتم التسلم قبل أن يتم التقبل. فإذا انفصل التقبل عن التسلم فالعبرة بالتقبل دون التسلم، إذ أن ما يترتب من نتائج إنما يترتب على التقبلل. فهذه النتائج يعجل بها مع التقبل إذا سبق، وتتراخى إلى التقبل إذا تأخر عن التسلم. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص147).
شروط التسلم:
يشترط حتى يكون رب العمل ملتزماً بالتسلم، والتسلم هنا يتضمن التقبل، أن يكون العمل موافقاً للشروط المتفق عليها. فإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها، أو كانت هناك شروط غير كاملة، فما تقضي به أصول الصنعة لنوع العملل محل المقاولة يحل محل الشروط المتفق عليها أو يكملها إذا كانت ناقصة.
ويجب أن تكون المخالفة للشروط أو لأصول الصنعة التي تبرر عدم التزام رب العمل بالتسلم جسيمة إلى حد أنه لا يجوز عدلاً إلزامه بالتسلم، إذا يكون العمل غير صالح للغرض المقصود منه، كما يتبين من ظروف التعاقد. فإذا لم تبلغ المخالفة هذا الحد من الجسامة، بقي رب العمل ملتزماً بالتسلم، وأن يكون له الحق إما في طلب تخفيض الأجرة أو تعويض عن الضرر. وفي جميع الأحوال، يجوز للمقاول إذا كان العمل يمكن إصلاحه أن يقوم بهذا الإصلاح في مدة مناسبة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص149 فقرة 82).
متى يكون التسلم وأين يكون:
التسلم يقع عادة في اللزمان والمكان اللذين يقع فيها التسليم. فيكون التسلم في الميعاد المتفق عليه أو الميعاد المقبولل لإنجاز العمل وفقاً لطبيعته ولعرف الحرفة. وفي جميع الأحوال، يجب على رب العمل أن يقوم بتنفيذ التزامه من التسلم (والتقبل) بمجرد أن يتم المقاول العملل ويضعه تحت تصرفه، أي يسلمه إياه. ويكون التسليم والتسلم في موطن المقاول أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص150).
اخلال رب العمل بالتسلم:
إذا لم يقم رب العمل بالتزامه من تسلم العمل وتقبله في الميعاد القانوني، كان للمقاول أن يجبره على تنفيذ التزامه عيناً. فما على المقاول بعد أن ينجز العمل ويضعه تحت تصرف رب العمل دون عائق إذا رأى أن هذا الأخير قد تلكأ في معاينة العمل ليتقبله ويتسلمه أن يعذره بالتسلم عن طريق إنذار رسمي على يد محضر ويحدد ميعاداً معقولاً لذلك. فإذا مضى الميعاد، اعتبر رب العمل قد تسلم العمل حكماً، حتى ولو لم يتسلمه حقيقة، وترتب على هذا التسلك الحكمي جميع النتائج التي تترتب على التسلم الحقيقي، وتبرأ ذمة المقاول من العيوب الظاهرة، ويبدأ سريان ميعاد ضمان العيوب الخفية.
ويمكن فوق ذلك، وتطبيقاً للقواعد العامة، أن يلجأ المقاول إلى العرض الحقيقي. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص153 فقرة 86).
/مادة 622/
الرأي الفقهي:
دفع الأجرة يكون في الموعد المحدد في الاتفاق. فإذا لم يوجد اتفاق على ميعاد معين، أو مواعيد معينة، وكان هناك عرف للصنعة يحدد مواعيد دفع الأجر، وجب اتباع ما يقضي به العرف. وإذا لم يوجد لا اتفاق ولا عرف، فإن دفع الأجرة يكون مؤخراً لا مقدماً وعند تسلم العمل. وهذا الحكم هو الذي تقضي به طبيعة عقد المقاولة.
على أن دفع الأجرة عند تسلم العمل مشروط فيه أن يكون العمل مطابقاً للمواصفات والشروط المتفق عليها ولأصول الفن لهذا النوع من العمل. ولرب العمل حبس الأجر، فلا يدفعه لا في الميعاد المتفق عليه، ولا في الميعاد الذي يقضي به العرف، ولا عند تسلم العمل، إذا وجد أن العمل غير مطابق للمواصفات المشترطة، أو غير متفق مع ما تقضي به أصول الصنعة. ويبقى الأجر محبوساً حتى يصلح المقاول العيوب التي شابت العمل، وهذا ما تقضي به القواعد العامة والدفع بعدم تنفيذ العقد.
ويبقى الأجر في ذمة رب العمل واجباً دفعه في الميعاد. وإذا تأخر عن الدفع بقي الأجر في ذمته قائماً حتى يسقط بالتقادم. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص198 وما بعدها).
/مادة 623/
الرأي الفقهي:
هناك ثلاثة شروط لانطباق النص:
1 ـ الشرط الأول:
أن يكون الأجر متفقاً عليه بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة. فإذا كان مقدار الأجر غير متفق عليه أصلاً، أو متفقاً عليه ولكنه أجر إجمالي على أساس تصميم معين، فإن النص لا ينطبق.
2 ـ الشرط الثاني:
مجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة لسبب لم يكن معروفاً وقت العقد. والمقصود مجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة هو مجاوزة كميات الأعمال المقدرة في المقايسة لا مجاوزة أسعارها، لأنه في الحالة الأخيرة لا يعتد بها، والعبرة بالأسعار الواردة في المقايسة. وعلى كل حال، لا يقام لزيادة الأسعار الفعلية عن الأسعار الواردة في المقايسة وزن، إلا في حدود نظرية الظروف الطارئة مطبقة في مبدئها العام.
ولا يكفي أن تكون الزيادة محسوسة، بل يجب أيضاً ألا تكون متوقعة وقد إبرام عقد المقاولة. فإذا كانت المجاورة متوقعة عند إبرام عقد المقاولة، أو كان من الممكن توقعها، زاد الأجر بمقدار هذه المجاوزة، ولا خيار لرب العمل.
3 ـ الشرط الثالث:
أن يخطر المقاول بمجرد تبينه للزيادة رب العمل بذلك. ولم يشترط النص شكلاً خاصاً لهذا الإخطار ولا ميعاداً معيناً يجب أن يتم فيه. ولذلك يجوز أن يكون الإخطار على يد محضر، أو بكتاب مسجل، أو بكتاب عادي، أو شفوياً. وعلى المقاول عبء إثبات أن الإخطار قد تم. ويجب أن يتم الإخطار فور تبين المقاول للزيادة. فإذا سكت من الإخطار بعد تبينه الزيادة مدة لا مبرر لها، حمل ذلك على أنه نزول ضمني عن حقه في استرداد قيمة هذه الزيادة، وبقي الأجر كما جاء في المقايسة دون تعديل. ويجب أن يشتمل الإخطار على مقدار ما يتوقعه المقاول من الزيادة في الكم وما يستتبع ذلك من زيادة الأجر، ويتقيد بما ذكره في الإخطار.
فإذا لم يخطر المقاول رب العمل بالمجاوزة، أو أبطأ في إخطاره بدون مبرر، أو لم يذكر في الإخطار مقدار ما يتوقعه من الزيادة، أو في القليل الأسس التي تقوم عليها المجاوزة المتوقعة، سقط حقه في استرداد ما جاوز به قيمة المقايسة من نفقات. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص164 فقرة 95).
المجاوزة جسيمة:
إذا كانت المجاوزة جسيمة، فإن رب العمل يكون بالخيار بين أمرين:
1 ـ الأمر الأول: أن يبقى مقيداً بالمقاولة ويطلب من المقاول إتمام العمل. وفي هذه الحالة يزيد الأجر بما يتناسب مع الزيادة الجسيمة، ويبقى عقد المقاولة نافذاً بجميع شروطه، فيما عدا الأجر فإنه يزيد الزيادة المناسبة.
2 ـ الأمر الثاني: أن يتحلل رب العمل من المقاولة إذا رأى أن الزيادة الجسيمة في الأمر مرهقة له. وفي هذه الحالة يطلب من المقاول وقف العمل، على أن يكون ذلك دون إبطاء. فإذا أبطأ في هذا الطلب إبطاء لا مبرر له كان للمقاول أن يمضي في العمل. ويفترض أن رب العمل قد اختار الأمر الأول، أي إيفاء المقاولة مع الزيادة في الأجر. والطلب الذي يتقدم به رب العمل لوقف التنفيذ لا يشترط فيه شكل خاص، فقد يكون على يد محضر أو مكتوباً أو شفوياً، ولكن عبء إثبات التقدم بهذا الطلب يقع على عاتق رب العمل. فإذا تقدم رب العمل بهذا الطلب، وجب على المقاول أن يوقف تنفيذ العمل، ويتحلل رب العمل من المقاولة، ولكن يجب عليه أن يعوض المقاول بإيفائه قيمة ما أنجزه من الأعمال مقدرة وفقاً لشروط العقد، دون أن يعوضه عما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل. فيرد للمقاول قيمة ما أنجزه من الأعمال إلى يوم إخطاره بوقف العمل، وتقدر هذه القيمة لا بحسب ما أنفق المقاول فعلاً، بل بحسب ما هو مقدر طبقاً لما جاء في المقايسة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص167).
/مادة 624/
الرأي الفقهي:
نطاق تطبيق النص:
المفروض لتطبيق النص أن هناك عقد مقاولة حدد فيه الأجر إجمالاً على أساس تصميم متفق عليه بين المقاول ورب العمل. وعلى هذا، هناك شروطاً ثلاثة يجب توافرها في عقد المقاولة حتى يدخل في نطاق تطبيق النص:
ـ الشرط الأول: أن يكون الأجر قد حدد بمبلغ إجمالي لا يزيد ولا ينقص. وقد أراد رب العمل أن يحدد نهائياً ومقدماً مقدار الأجر الذي يدفعه. حتى إذا كان الأجر الإجمالي غير محدد تحديداً نهائياً فلا يدخل في هذا الفرض.
ـ الشرط الثاني: أن تكون المقاولة على أساس تصميم متفق عليه، وذلك حتى تتبين حدود العمل على وجه كامل واضح نهائي. فيجب أن يكون التصميم كاملاً، ولا يلزم أن يتمثل في رسوم، ولكن يجب أن يكون وصفاً كاملاً يتضمن جميع الأعمال المطلوبة. ويجب أن يكون التصميم كاملاً وقت إبرام المقاولة، لا في وقت لاحق، وذلك حتى تكون المقاولة قد أبرمت على أساس تصميم معين متفق عليه. ثم يجب أن يكون التصميم واضحاً مفصلاً دقيقاً. وأخيراً يجب أن يكون التصميم نهائياً.
ـ الشرط الثالث: أن يكون عقد المقاولة مبرماً بين رب العمل الأصلي والمقاول. أما إذا أبرم بين مقاول أصلي ومقاول من الباطن، فلا يسري النص وإنما القواعد العامة.
ومتى توافرت الشروط الثلاثة فقد دخلنا في نطاق تطبيق المادة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون المقاولة محلها إقامة بناء أو غير ذلك، كصنع أثاث، أو أن يكون محلها عملاً كبيراً أو عملاً صغيراً. وإذا توافرت الشروط الثلاثة، فإن الأجر الإجمالي الجزافي الذي اتفق عليه الطرفان في عقد المقاولة لا يكون قابلاً للتعديل لا بالزيادة ولا بالنقص، وذلك حتى لو أدخل المقاول تعديلاً على التصميم ولو كان نافعاً أو ضرورياً، أو زادت أسعار المواد الأولية أو أجور العمال. وليس هذا تمشياً مع إرادة المتعاقدين، فقد قصد رب العمل من أن يكون الأجر إجمالياً جزافياً، وقبل المقاول منه ذلك، لأنه أراد أن يعرض بصفة نهائية حاسمة ما يجب عليه دفعه من الأجر، فهو يقصد أن يطمئن إلى مركز مستقر ثابت فلا يفاجأ بأية زيادة.
ويقال عادة أن هذا الحكم ليس من النظام العام، فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على خلافه. ولكننا نرى أنه إذا توافرت في المقاولة الشروط الثلاثة، فإنه لا يتصور الاتفاق العكسي، ويجب إعمال المادة 658 مدني (624 سوري) فلا يزيد الأجر المتفق عليه ولا ينقص بأي حال من الأحوال.
بل إن الأجر المتفق عليه لا تجوز زيادته حتى بطريق غير مباشر. فلو أن المقاول وجد أن من الضروري إدخال تعديل في التصميم كان من شأنه أن زادت تكاليف العمل على الأجر المتفق عليه، فإنه لا يتقاضى إلا الأجر المتفق عليه، ولا يستطيع أن يرجع بزيادة التكاليف ولو عن طريق دعوى الإثراء بلا سبب. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص117 فقرة 100 و 101).
/مادة 625/
الرأي الفقهي:
إذا سكت المتعاقدان عن تعيين مقدار الأجر، فيتكفل القانون بتعيين هذا المقدار. وهذا التحديد يقوم على عنصرين، قيمة العمل الذي أتمه المقاول، وما تكبده من نفقات في أنجازه. وعند الخلاف يعين القاضي مقدار الأجر مسترشداً بهذين العنصرين ويسترشد بوجه خاص بالعرف الجاري في الصنعة في تحديد قيمة العمل. ويدخل في الحساب طبيعة العمل وكمية العمل والوقت الذي استغرقه إنجازه ومؤهلات المقاول وكفايته الفنية وسمعته.
وتشمل نفقات المقاول أثمان المواد التي استخدمت في العمل، وأجور العمال وغير ذلك من النفقات التي صرفها فعلاً لإنجاز العمل. وقد يتكفل عرف المهنة بتحديد مقدار الأجر.
وتعيين القاضي لمقدار الأجر هو فصل في مسألة موضوعية لا رقابة عليه لمحكمة النقض.
توابع الأجر:
وسواء اتفق المتعاقدان على مقدار الأجر، أو تكفل القاضي بتعيين هذا المقدار، فإن للأجر توابع يجب أن تضاف إليه. ويلتزم رب العمل بدفعها كما يلتزم بدفع الأجر نفسه.
فنفقات دفع الأجر، إذا كان دفعه يقتضي نفقات خاصة، تكون على رب العمل. كذلك نفقات فحص حساب المقاول وتسوية الحساب، سواء عهد رب العمل بذلك إلى مهندس معماري أو إلى أي شخص آخر.
أما فوائد الأجر فتسري في شأنها القواعد العامة، فلا تكون هذه الفوائد مستحقة في ذمة رب العمل إلا من وقت المطالبة القضائية بها، ولا شأن لتسليم العمل في ذلك.
على أنه إذا كان المقاول هو الذي قدم المادة التي استخدمت في العمل، وكان للمادة قيمة محسوسة، فإن العقد يكون هنا مزيجاً من المقاولة والبيع، وتقع المقاولة على العمل وتنطبق أحكامها عليه، ويقع البيع على المادة وتسري أحكامه فيما يتعلق بها. ويترتب على ذلك أن الجزء من الأجر المقابل للمادة يعتبر ثمناً لها، وتسري على فوائده القواعد المقررة في فوائد الثمن. ويخلص من ذلك أن للمقاول الحق في فوائد الجزء من الأجر المقابل للمادة التي قدمها من وقت إنذار رب العمل في دفع الأجر المستحق مع فوائده، ولا ضرورة للمطالبة القضائية، أو من وقت تسليم المادة المصنوعة إلى رب العمل. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص157).
/مادة 626/
الرأي الفقهي:
الذي يقع غالباً أن رب العمل يتفق مع المهندس على مقدار أجره. فالاتفاق هو الذي يحدد في هذه الحالة مقدار الأجر. والغالب أن الاتفاق يحدد أجراً للمهندس على وضع التصميم والمقايسة، وأجراً آخر مستقلاً عن إدارة الأعمال والإشراف على التنفيذ، هذا إذا كان كل ذلك معهوداً به إلى المهندس.
وقد يحدد الاتفاق أجر المهندس بمبلغ إجمالي، أو يحدده بنسبة معينة من قيمة الأعمال، وفي هذه الحالة الأخيرة تكون العبرة بقيمة الأعمال الفعلية، لا بالقيمة المقدرة في المقايسة. فلا يمكن معرفة أجر المهندس بالضبط إلا بعد إنجاز الأعمال ومعرفة قيمتها الحقيقية.
أما إذا لن يكن هناك اتفاق على مقدار الأجر، فلا يرجع القاضي إلى قيمة العمل ونفقات المهندس كما تقضي القواعد العامة، بل يرجع إلى العرف الجاري. والمقصود بالعرف الجاري هو عرف المهندسين المعماريين.
والفقرة الثالثة من المادة 660 (626 سوري) لا تجعل للمهندس حقاً في أجره كاملاً إذا لم يتم العمل بموجب التصميم الذي وضعه بغير خطأ منه، بل تجعل تقدير أجر المهندس في هذه الحالة بحسب مقدار الزمن الذي استغرقه المهندس في وضع التصميم، مع مراعاة كفاية المهندس وسمعته في تقدير أجره بحسب الزمن وبحسب طبيعة التصميم من حيث الدقة والصعوبة الفنية.
وغني عن البيان أنه إذا لم يتم العمل بموجب التصميم بسبب خطأ المهندس، كأن كان التصميم معيباً فيه أو غير منطبق على تعليمات رب العمل، أو تأخر المهندس في تقديمه تأخراً لا مبرر له وضاراً برب العمل، فإن المهندس لا يستحق أجراً، ولا حتى تعويضاً. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص189).
/مادة 627/
الرأي الفقهي:يخلص من النص أن للمقاول أن يقاول من الباطن في كل العمل، أو في جزء منه، ما لم يوجد شرط يمنعه من ذلك. والشرط إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً. فلا يتحتم أن يكون الشرط المانع مذكوراً صراحة في عقد المقاولة، بل يجوز استخلاصه ضمناً من الظروف نفسها، حتى ولو لم يكن منصوصاً عليه صراحة في عقد المقاولة. وإذا قام شك في أن هناك شرطاً مانعاً ضمنياً، فسر الشك في معنى المنع، فيحرم على المقاول المقاولة من الباطن إلا إذا أذن له رب العمل في ذلك. والشرط المانع، سواء كان صريحاً أو ضمنياً، لا يمنع المقاول من أن يستعين بأشخاص آخرين فنيين أو غير فنيين في إنجاز العمل، ما دام هؤلاء الأشخاص ليسوا مقاولين من الباطن، بل كانوا مستخدمين عند المقاول بعقد عمل لا عقد مقاولة. ويجوز، إذا وجد الشرط المانع الصريح أو الضمني، أن يتنازل عنه رب العمل فيتحلل المقاول منه ويكون له الحق في المقاولة من الباطن.
وكما يكون تنازل رب العمل عن الشرط المانع الصريح أو الضمني صريحاً، كذلك يكون ضمنياً. وإذا تنازل رب العمل عن الشرط المانع، لم يجز له الرجوع بعد ذلك في تنازله، سواء حصل التنازل قبل مخالفة المقاول للشرط المانع أو بعد مخالفته إياه.
وإذا وجد الشرط المانع صريحاً أو ضمنياً، وجب على المقاول مراعاته، وإلا كان معرضاً للجزاء الذي تقضي به القواعد العامة.
التزامات المقاول الأصلي نحو رب العمل:
يبقى المقاول الأصلي ملتزماً نحو رب العمل، والتزاماته تنشأ عن عقد المقاولة الأصلي، لا عن عقد المقاولة من الباطن، فيلتزم نحو رب العمل بإنجاز العمل محل عقد المقاولة الأصلي وتسليم المحل بعد إنجازه لرب العمل، ويدخل في ذلك العمل الذي انجزه المقاول من الباطن، ويلتزم بضمان العمل. ولا يكون المقاول من الباطن مسؤولاً نحو رب العمل، بل نحو المقاول الأصلي.
فإذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه في إنجاز العمل، طبقاً للشروط والمواصفات المتفق عليها ولأصول الصنعة، وكان المقاول الأصلي مسؤولاً عن ذلك نحو رب العمل، فيرجع رب العمل على المقاول الأصلي، ثم يرجع المقاول الأصلي على المقاول من الباطن.
ومسؤولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن ليست مسؤولية المتبوع عن التابع. فإن المقاول من الباطن يعمل مستقلاً عن المقاول الأصلي ولا يعتبر تابعاً له، وإنما هي مسؤولية عقدية تنشأ عن العقد الأصلي، وتقوم على افتراض أن كل الأعمال والأخطاء التي تصدر من المقاول من الباطن تعتبر بالنسبة إلى رب العمل إعمالاً وأخطاء صدرت من المقاول الأصلي فيكون هذا مسؤولاً عنها.
ولما كانت مسؤولية عقدية، فيمكن الاتفاق على ما يخالفها. ومن ثم يجوز أن يشترط المقاول على رب العمل جواز أن يقاول من الباطن، ولا يكون مسؤولاً عن هذا المقاول. كذلك يجوز بعد أن يعقد المقاول الأصلي مقاولة من الباطن أن يقبل رب العمل حلول المقاول من الباطن محل المقاول الأصلي في كل حقوقه والتزاماته، فتتحول المقاولة من الباطن إلى تنازل عن المقاولة. كذلك يجوز أن يتعهد المقاول من الباطن للمقاول الأصلي أن يقوم بالعمل لمصلحة رب العمل، فيكون هذا اشتراطاً من المقاول الأصلي لمصلحة رب العمل. ويستطيع رب العمل في هذه الحالة ان يرجع بالدعوى المباشرة على المقاول من الباطن، طبقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير، ويحتفظ في الوقت نفسه بحق الرجوع على المقاول الأصلي بموجب عقد المقاولة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص209).
/مادة 628/
الرأي الفقهي:يقرر النص أن الدائنين في المطالبة هم المقاولون من الباطن وعمال المقاولة وعمال المقاول من الباطن. فالمقاول من الباطن يكون طرفاً في المقاولة، وهو دائن يطالب في حدود الأجر المستحق له في ذمة المقاول الأصلي وما يتبع الأجر من نفقات وثمن مهمات وأدوات وفوائد. والطرف الآخر في هذه المطالبة، أي الطرف المدين، هو رب العمل، ولا يطالبه المقاول من الباطن إلا بالقدر الذي يكون رب العمل مديناً به للمقاول الأصلي بموجب عقد المقاولة الأصلي وقت رفع الدعوى المباشرة عليه من الباطن.
والعامل الذي يعمل عند المقاولة مرتبطاً بعقد عمل يكون طرفاً في المطالبة، سواء قام المقاول بالعمل كله بنفسه أو قاول على بعضه من الباطن. ففي جميع الأحوال، يستطيع عامل المقاول أن يرجع في حدود الأجر المستحق له، وكل حق آخر في ذمة اللمقاول بموجب عقد العمل على رب العمل بما هو مستحق في ذمة هذا الأخير للمقاول بموجب عقد المقاولة وقت رفع الدعوى المباشرة من العامل على رب العمل.
والعامل الذي يعمل عند المقاول من الباطن مرتبطاً بعقد عمل، يكون طرفاً في المطالبة ويرجع في حدود ما هو مستحق له في ذمة المقاول من الباطن بموجب عقد العمل.
1 ـ على المقاول الأصلي باعتباره رب عمل بالنسبة إلى المقاول من الباطن.
2 ـ على رب العمل باعتباره رب العمل للمقاول الأصلي فهو مدينه.
أما إذا كان المقاولمن الباطن قد قاول هو أيضاً بدوره من الباطن، فالمقاول من الباطن الثاني يرجع بالدعوى المباشرة على المقاول الأصلي باعتباره رب عمل للمقاول من الباطن الأول، ولكنه لا يرجع بالدعوى المباشرة على رب العمل. وعمال المقاول من الباطن الثاني يرجعون بالدعوى المباشرة على المقاول من الباطن الأول، وهو مدين مدينهم، وعلى المقاول الأصلي، وهو مدين مدينهم، دون رب العمل.
ومن جهة أخرى لا يجوز لرب العمل أن يشترط على المقاول الأصلي عدم رجوع المقاول من الباطن والعمال عليه بدعوى مباشرة، فإن هذا الاتفاق المعقود ما بين رب العمل والمقاول لا يمس حقوق المقاول من الباطن والعمال، إذ هم ليسوا طرفاً فيه وقد استمدوا حقوقهم من القانون.
الحجز وحق الامتياز للمقاول من الباطن والعامل:
إن المقاول من الباطن، أو العامل، متى رفع الدعوى المباشرة على رب العمل أمكنه أن يحصل عن طريق هذه الدعوى على جميع ما هو مستحق في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت الإنذار بالوفاء، وذلك في حدود ما هو مستحق له في ذمة المقاول الأصلي، فيتجنب بذلك مزاحمة سائر دائني المقاول الأصلي، وهذه هي المزية الكبرى للدعوى المباشرة.
ويستطيع أيضاً أن يحصل على هذه المزية، فيتجنب مزاحمة دائني المقاول الأصلي لو أنه بدلاً من رفع الدعوى غير المباشرة وقع حجزاً تحت يد رب العمل على ما في ذمة هذا الأخير للمقاول الأول. فإنه في هذه الحالة يكون له حق امتياز يتقدم به على سائر دائني المقاول الأصلي. ومحل هذا الامتياز هو المبلغ الذي يكون في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت توقيع الحجز. والحق الممتاز هو للمقاول من الباطن أو العامل في ذمة المقاول الأصلي. فيتقاضى المقاول من الباطن أو العامل حقه الممتاز من المبلغ الذي في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت توقيع الحجز متقدماً على سائر دائني المقاول الأصلي، فلا يستطيع هؤلاء أن يزاحموه. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص235 وما بعد).